سعودي ولا يدافع عن السعودية بكلمة رغم كل أنواع الهجمات التي يتعرض لها وطنه. هذا الرجل لديه موقف عدائي من الإمارات بعد أن حسم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، الأمر واختار منذ زمن بعيد أن يذهب إلى أماكن تواجد الإرهاب وأن يحاربه في مخابئه بدلاً من انتظاره. وهذا السعودي، يتضجر ويتأفف من مقاطعة قطر وسياستها الصبيانية رغم أن هذه المقاطعة لم تأت إلا بكل خير ولم يندحر بها إلا كل شر. ويقضي إجازته الصيفية في تركيا في كل صيف، ولديه استثمارات هناك، جمع أموالها في الغالب من مساهمات أناس وثقوا فيه وأعطوه «تحويشة العمر». ولا يُحب ثورة 30 يونيو ولا يحب الاستقرار لمصر بل يتمنى أن تقع فيها ثورة أخرى. ويجلس على مدار اليوم أمام قناة «الجزيرة» ويعتبرها القناة الصادقة المصدوقة التي لا يمكن أن تكذب أو تزيّف الحقائق. ويحمل بين ضلوعه «افتتاناً» عميقاً بالرئيس التركي أردوغان ويعتبره خليفة المسلمين ويصدّق ويصادق على كل مسرحياته المملة. فإذا ذكرته بجرائم العثمانيين في بلاده، فضلاً عن بقية بلدان العرب، نفض يديه بدعوى أن هذا تاريخ وأننا أبناء اليوم. ولا يقف عند هذا الحد، بل قد وصل الأمر به إلى تقبل إيران بحجة أنها تدعم حماس، ماذا بقي؟!
ومع هذا يقول لك إنه ليس بـ«إخواني» وأنه لم يتأثر بـ«الإخوان»، المشهد في بلادنا يختلف عن الكويت ومصر بقية البلدان العربية، فلا أحد يعترف بأنه ينتمي لجماعة «الإخوان»، منذ زمن قديم هم لا يعترفون، وبالتأكيد أن وضع السعودية للجماعة في قوائم الإرهاب عام 2014 سيزيد من هذا التخفي. «الإخوان» الذين يعلمون أنهم «إخوان» ليسوا موضوع هذا المقال، وإنما موضوعنا هم الذين لا يعلمون. من هم الذين لا يعلمون؟
«الإخوان» يتدرجون في مراتب تشبه الرتب العسكرية، فهناك مرتبة «المحب» وهي الدرجة التي تسبق الانتماء للتنظيم ويطلق هذا الوصف على من يلازم مسجداً سياسياً تديره الجماعة ويحضر دروسها ونشاطاتها. هؤلاء يُدرجون في نظام «الأسر» ونظام «الحلقات» اللتين تجمعان كل المقربين من الحركة من غير المبايعين لها بعد. فوق هذه المرتبة تأتي مرتبة «النصير» وهو من ينتسب للجماعة، لكنه في أولى درجات العضوية، أو قل عنهم «فريق الأشبال أو الناشئين» وهذه أقل مراتب الانتساب شروطاً وواجبات. في ثاني مراتب العضوية الرسمية تأتي مرتبة «المنفذ» وهو من وصل لمكانة تعطيه الحق في ممارسة القيادة الفرعية في التنظيم بعد أن أثبت حبه للعمل الحركي وطاعته العمياء وقدراته «الجهادية». بعدها يترقّى «الإخواني» إلى مرتبة «النقيب» أعلى درجات العضوية المعتادة، وهي تعطي حق التربية والتكوين وأخذ البيعة واكتشاف القيادات والمشاركة في اتخاذ القرارات الكبرى ومعرفة أسرار الجماعة، وهذه مرتبة لا تمنح إلا لمن أفنى عمره مع هذه الجماعة السريّة. هذه الترقيات والمدة الزمنية التي تستغرقها تتحدد في لوائح داخلية سرية وفق ظروف كل بلد. بعد ذلك تبدأ المراتب «السوبر ديلوكس» ومنها مرتبة «الركن» إحدى الدرجات العليا لقادة التنظيم، ومن يصل إليها يُنظر إليه على أنه قد اتصف بصفات الأنبياء والقديسين. وهناك مرتبة «الداعية» التي تطلق على من برع في العلوم الشرعية وإصدار الفتاوى. ثم تأتي أخيراً مرتبة «الأستاذ» أعلى درجات العضوية ولا يتصف بها إلا المرشد العام ونوابه.
الملاحظ أنه حتى في نفس الجماعة التي قامت على دعوى الأخوة الدينية، هناك طبقية، وقد سمعت عدداً من رموز «الإخوان» في مصر والسعودية يقولون ويكررون أنه لا بأس أن يموت مئات الألوف من أجل أن تقوم الدولة الإسلامية «الإخوانية» التي تختلف عن كل الدول المسلمة القائمة. من هم الذين تتعين عليهم هذه التضحية الجسيمة؟ إنهم يقصدونك أنت يا «محب» فالذي لا يحبهم لن يطيعهم. أما القيادات وأصحاب المراتب العليا، فهؤلاء يعيشون حياة رغيدة من أموال الزكاة والصدقات والأوقاف ويدرس أبناءهم في الجامعات العالمية. هل وصلت الرسالة يا «محب»؟
*كاتب سعودي